الأربعاء، 26 سبتمبر 2012

المعري

 

 
 
 
 
حياتـه

أسرته. في هذه المدينة استقرت أسرة المعري التي ترجع بأصولها إلى قبيلة عربية مشهورة هي تنوخ التي ينتهي نسبها إلى قضاعة ثم إلى يعرب بن قحطان. وسميت بذلك لأنها تنخت بالشام قديمًا أي أقامت، وقد عمر المعرة منهم بطن لبني ساطع الجمال وهو النعمان بن عدي ولقب "بالساطع" لجماله وبهائه وكان جوادًا شجاعًا. وبيت أبي العلاء في بني سليمان بن داود بن المطهر وفيهم العلم والرئاسة يقول ابن العديم "وأكثر قضاة المعرة وفضلائها وعلمائها وشعرائها من بني سليمان". وتولى أجداد أبي العلاء قضاء المعرة وضم إليها جده أبوالحسن سليمان قضاء حمص أيضًا، وعرف بالفضل وكرم النفس، ومات سنة 290 هـ، فولي بعده ابنه أبوبكر محمد بن سليمان عم أبي العلاء الذي قصده الشعراء بالمدح. يقول الصنوبري فيه
:

 
بأبي يا ابن سليمان لقد سدت تنوخا
 
 

وهم السادة شبانًا لعمري وشيوخا

فلما مات ولي القضاء بعده أخوه عبدالله بن سليمان والد أبي العلاء، واختلف في سنة وفاته، وله من الولد، غير أبي العلاء، أبو المجد محمد بن عبدالله وأبو الهيثم عبدالواحد ابن عبدالله، وكانا شاعرين وخلّفا طائفة من الأولاد تولوا القضاء. واستمر مجد الأسرة حتى أواخر القرن السادس الهجري.

وكان المعري شديد التعلق بأمه يتحدث عنها بعاطفة مشبوبة متقدة، ولما رحل إلى بغداد كان حنينه إليها متصلاً وطيفها لا يفارقه، وتصحبه الهواجس والظنون، وبقي طوال عمره يذكرها ولم ينسها على مر الأعوام. يقول ـ وهو شيخ ـ لابن أخيه القاضي أبي عبدالله محمد
:

أعبدالله ما أُسـدي جميـلاً نظير جميل فعلك مثل أمي سقتني

درها ورعت وباتت تعـوذني وتـقـرأ أو تُسـمي

 

شخصية المعري


أخلاقه. كان المعري رغم عزلته ذا صلة حسنة بالناس. وكان مع فقره كريمًا ذا مروءة يعين طلاب الحاجات وينفق على من يقصده من الطلاب يهدي ويُهدى إليه، ويكرم زائريه. ومن مروءته وكرمه أنه لم يقبل من تلميذه الخطيب التبريزي ذهبًا كان قد دفعه إليه ثمنًا لإقامته عنده. لم يرده إليه في حينه حتى لا يؤذي نفسه ويوقعه في مشقة الحرج، ولكنه احتفظ له به حتى تجهز قافلاً فودعه ورد إليه ما دفع
.


وكان رقيق القلب رحيمًا عطوفًا على الضعفاء حتى شملت رقة قلبه الحيوان فلا يذبح ولا يروع بولده وبيضه. وكان وفيًا لأصدقائه وأهله. وتفيض رسائله إلى أهل بغداد والمعرة وإلى أخواله بهذا الوفاء. ومن أهم خصاله الحياء الذي يكلفه ضروبًا من المشقة والأذى، وكثيرًا ما كتب كتبًا ورسائل لأناس طلبوا منه ذلك، وكتب يستشفع لأناس عند الأمراء، وهو كاره لذلك ولكنه لفرط حيائه لا يستطيع لهم ردًا. وكان سيئ الظن بالناس يعتقد فيهم الشرور والأسواء ويمقت فيهم خصال الكذب والنفاق والرياء. وانتهى أخيرًا إلى أن الإنسان شرير بطبعه، وأن الفساد غريزة فيه ولا يُرجى برؤه من أدوائه
 

اهًـم مُــؤلفًــآآتهْ

أشهر مؤلفاته. ألف أبو العلاء مصنفات جمة ضاع أكثرها ولم يصل إلينا منها إلا النزر اليسير. يقول القفطي والذهبي إن أكثر كتبه باد ولم يخرج من المعرة، وحرقها الصليبيون فيما حرقوا من المعرة، وأحصيا له من الكتب خمسة وخمسين كتابًا في أربعة آلاف كراسة، تشمل الشعر والنثر فقد ذكر له كتاب اسمه استغفر واستغفري فيه عشرة آلاف بيت ضاع مع ما ضاع. ويذكر الرحالة الفارسي ناصر خسرو أن أبا العلاء نظم مائة ألف بيت من الشعر وذلك سنة 438هـ قبل موته بإحدى عشرة سنة. وعد ياقوت من مصنفاته اثنين وسبعين مصنفًا. وبقي من شعره ثلاثة دواوين: سقط الزند، والدرعيات، وهو ديوان صغير طبع ملحقًا بالسقط، واللزوميات.

مكانته الشعرية ورأي النقاد

مكانته الشعرية ورأي النقاد فيه كان القدماء، إلا أقلهم، يعترفون بشاعرية المعري، ويعرفون تقدمه، وينشد الناس أشعاره ويتظرف بها الظرفاء. أما المحدثون فمنهم من جعل المعري فيلسوفًا وجرده من الشعر، وعده آخرون شاعرًا مجردًا من الفلسفة، وجمع له فريق ثالث بين الحسنيين
.

فبينما يرى بعضهم فيه شاعرًا فيلسوفًا حقًا لم يعهد المسلمون في قديمهم وحديثهم فيلسوفًا مثله؛ يرى آخرون أن ليس له مذهب فلسفي، بل له اتجاهات تخل بالمنهج الفلسفي إخلالاً واضحًا، فهو رجل وجدان، دقيق الحس، عميق الإدراك، صادق التعبير، جريء التعرض للمعاني والخواطر. بينما جعله فريق ثالث مع سقراط والقديس أوغسطين والغزالي وتوما الأكويني وشوبنهاور في طبقة واحدة، فضلاً عن من عده فيلسوفًا له نظراته في الفلسفة أو مجددًا لأصول الفلسفة أو هو الفيلسوف الأكبر
.

ولكن أكثر النقاد يرونه شاعرًا إنسانيًا متأملاً في المحل الأرفع بين شعراء العربية، له مقام فريد لامن حيث أسلوبه وفنه فحسب، ولكن من حيث روحه ونظرته إلى الحياة والأحياء من حوله

رأيه في الدنيا. أكثر آراء المعري صراحة هي تلك التي قالها في الدنيا، وكان يكنيها أم دفر وهو من أكثر من ذمها وكرهها، وبسبب ذلك كره الوجود وآثر العدم. وتمنى لو أنه لم يولد بل ويتمنى الموت لكل وليد لأنه سيقاسي الشرور
:

فليت وليدًا مات ساعة وضعه

 
ولم يرتضع من أمه النفساء




 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق